Thursday 20 September 2012

إستراتيجيّة الإنصات الفعال


                                                                   إستراتيجيّة الإنصات الفعال

إن الإنصات الفعّال غير الاستماع، وقّف عن الاستماع بلسانك..
إنّه يعني الاستماع باهتمام وبالجوارح كلها، ومن خلال ملامح الوجه، ولغة الجسد، والرسائل الإيجابية التي يبعثها المنصت الإيجابي للمتكلّم.
الإنصات الفعال يعني اهتماماً بما يريد الطفلُ التعبيرَ عنه. ويعني اهتماماً إيجابياً بالرسائل الخفيّة للطفل. وهو طريق لتجاوز الحالات المتوترة بين الوالدين والأبناء. وكلّما مورس الإنصات الفعال كلّما عرفت العلاقاتُ الأسرية انحساراً وتقلصاً للحالات المتشنجة.
خمس خطوات للإنصات الفعال:
1- اربط علاقة تواصل بين عينيك وعيني ابنك، وتَفادَ أن تشيح بوجهك عن ابنك، فإن ذلك يوحي بقلة اهتمامك بما يقوله، وقلة اعتبارك لشخصه.
2- أنشئ علاقة اتصال واحتكاك جسدي مباشر من خلال لمسة الحنان وتشابك الأيدي والعناق، ووضع يدك على كتفيه، فإنّ ذلك يوطد العلاقات المبنية على المحبة ويسهّل لغة التواصل العاطفي، وييسر التفاهم ويفتح لدى الطفل أجهزة الاستقبال للرسائل التربوية الصادرة من الوالدين.
3- علّق على ما يقوله ابنك وبشكل سريع دون أن تسحب الكلام منه، مبدياً تفهّمك لما يقوله من خلال حركة الرأس أو الوشوشة والإيماء بنعم أو ما شاء الله... مما يوحي لابنك أنك تتابعه باهتمام فتزيد طمأنينته.
4- ابتسم باستمرار وأبدِ ملامحَ الاطمئنان لما يقوله، والانشراح بالإنصات له، مع الحذر من إشعار الطفل أنك تتحمّل كلامه على مضض، أو أنه مضيعٌ لوقتك ولا تنظر للساعة وكأنك تقول له لا وقت لديّ لكلامك.
5- متى وضحت الفكرة، وتفهمتَ الموقف عبِّر لابنك عن هذا، وأعدْ باختصار وبتعبير أدق ما يودّ إيصاله لك لتعلّم ابنك اختصارَ ما يريد قوله، وفنَّ التعبير عن مشاعره وأحاسيسه، والدقة في التعبير، فإنّك بذلك تقلل من احتمالات حدوث الملل بينكما.
إنّ الإنصات الفعال لا يكتمل إلا من خلال الاتصال غير اللفظي الذي يطمئِن الابنَ ويعيد له توازنه النفسيّ، ويقضي بالتالي على مقاومة الطفل للرسائل التربوية الصادرة عن الآباء.
لا تتركه للمصادفات..
خصّص للإنصات الفعّال وقتاً:
إن الإنصات الفعّال خطوة ضرورية في التربية الإيجابية لا غنى للمربي عنها.فكما أنّنا نخصّص أوقاتاً لشراء ما يحتاجه أبناؤنا، وللاهتمام بصحة أبدانهم ونظافتهم، فكذلك نحتاج إلى تخصيص وقتٍ للإنصات لهم مهما قلّ هذا الوقت.
إنّ خمس دقائق ينصت فيها الأب لابنه قد جعله يتفادى تضييع ساعات طويلة في معالجة مشكلات ناجمة عن قلة التواصل أو مناقشة حالة توتر.
خمس دقائق لا غير!!
خمس دقائق لا أهمية لها عند عامة الناس... وليس صعباً أن يخصصها الأب يومياً لابنه. خمس دقائق كل يوم تنمّي الحوافز الإيجابية لدى ابنك وتغرس لديه الدوافع التي تزود سلوك الإنسان بالعمل الصالح، وملء الوقت بما ينفع دنيا وآخرة... إن خمس دقائق مخصصة للطفل تعني تمتع الأب بوقت كبير لقضاياه الأخرى.
إن تخصيص خمس دقائق للطفل تعني أنك تودُّ التواصل مع ابنك وتحاول فهمه وتفهم حاجاته ورغباته وأنك تشعر به... وقبل هذا وذاك تعني أن تتقن فن الأخذ والعطاء، وتمهّد قلوب الأبناء وبصيرتهم للإنصات الفعال. وبمعنى أوضح إنّك تقوّي (الذكاء الوجداني) لديهم، والمعروف لدينا بالبصيرة.فأنصت لأبنائك ليحسنوا الإنصات إليك..

فن الاستماع: وصفة أخلاقيّة ومهارة ضروريّة
في حياتنا، ومنذ صغرنا نتعلّم كيف نتصل مع الناس الآخرين بالوسائل المتعددة، من الحديث والكتابة والقراءة، ويتم التركيز على هذه المهارات في المناهج المدرسية بكثافة، لكن بقيت وسيلة اتصالية لم نعرها أي اهتمام، مع أنها من أهم الوسائل الاتصالية، ألا وهي الاستماع.
لا بد لكل إنسان أن يقضي معظم حياته في هذه الوسائل الاتصالية الأربع: الحديث، الكتابة، القراءة، والاستماع، لأنّ ظروف الحياة هي التي تفرض هذا الشيء عليه.
ويعدّ الاستماعُ أهمَّ وسيلة اتصاليّة، فحتى تفهم الناس من حولك لا بد أن تستمع لهم، وتستمع بكل صدق، لا يكفي فقط أن تستمع وأنت تجهّز الردّ عليهم أو تحاول إدارة دفة الحديث، فهذا لا يسمى استماعاً على الإطلاق.
هل تستمع لتتفهّم أم لتتكلّم؟
في كتاب ستيفن كوفي (العادات السبع لأكثر الناس إنتاجية) تحدّث الكاتب عن أب يجد أن علاقته بابنه ليست على ما يرام، فقال لستيفن: لا أستطيع أن أفهم ابني، فهو لا يريد الاستماع إليّ أبداً...
فرد ستيفن: دعني أرتّب ما قلته للتوّ: أنت لا تفهم ابنك لأنه لا يريد الاستماع إليك؟
فرد عليه: هذا صحيح.
ستيفن: دعني أجرّب مرة أخرى: أنت لا تفهم ابنك لأنه -هو- لا يريد الاستماع إليك أنت؟
فرد عليه بصبر نافذ: هذا ما قلته! أجل!
ستيفن: أعتقد أنّك كي تفهم شخصاً آخر فأنت بحاجة لأن تستمع له، أليس كذلك؟
فقال الأب: أوه (تعبيراً عن صدمته) ثم جاءت فترة صمت طويلة، وقال مرة أخرى: أوه!
إن هذا الأب نموذج صغير لكثير من الناس، الذين يردّدون في أنفسهم أو أمامنا: إنّني لا أفهمه، إنه لا يستمع لي! والمفروض أنّك تستمع له لا أن يستمع لك!
إن عدم معرفتنا بأهمية مهارة الاستماع يؤدّي بدوره لحدوث الكثير من سوء الفهم، الذي يؤدي بدوره إلى تضييع الأوقات والجهود والأموال والعلاقات التي كنّا نرجو ازدهارها. ولو لاحظت مثلاً المشكلات الزوجية، لرأيتَ أنّها عادة ما تنشأ عن قصور في مهارة الاستماع لاسيّما عند الزوج. وإذا كان هذا القصور مشتركاً بين الزوجين تتأزم العلاقة بينهما كثيراً. لأنهما لا يحسنان الاستماع لبعضهما، لا يستطيعان فهم بعضهما. الكلّ يريد الحديث لكي يفهم الطرف الآخر! لكن لا يريد أحدُهم الاستماع!!
إن الاستماع ليس مهارة فحسب، بل هو وصفة أخلاقية يجب أن نتعلّمها، إننا نستمع لغيرنا لا لأننا نريد مصلحة منهم، لكن لكي نبني علاقات وطيدة معهم.